تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 59 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 59

59 : تفسير الصفحة رقم 59 من القرآن الكريم

** وَدّت طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلّونَكُمْ وَمَا يُضِلّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالّذِيَ أُنْزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوَاْ آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلاَ تُؤْمِنُوَاْ إِلاّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَىَ هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَىَ أَحَدٌ مّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
شا يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين, وبغيهم إياهم الإضلال, وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم, ثم قال تعالى منكراً عليهم {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون} أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} الاَية, هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم, وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار, ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح, فإذا جاء النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيضة وعيب في دين المسلمين, ولهذا قالوا {لعلهم يرجعون}. وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد في قوله تعالى إخباراً عن اليهود بهذه الاَية, يعني يهوداً صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح, وكفروا آخر النهار مكراً منهم, ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس: قالت طائفة من أهل الكتاب: إذ لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا, وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا, وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك.
وقوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم, ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى: {قل إن الهدى هدى الله} أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الاَيات البينات, والدلائل القاطعات, والحجج الواضحات¹ وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين. وقوله {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم} يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين, فيتعلموه منكم, ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به, أو يحاجوكم به عند ربكم, أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم, فتقوم به عليكم الدلالة, وتتركب الحجة في الدنيا والاَخرة, قال الله تعالى: {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء} أي الأمور كلها تحت تصرفه, وهو المعطي المانع, يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام, ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته, ويختم على قلبه وسمعه, ويجعل على بصره غشاوة, وله الحجة التامة والحكمة البالغة {والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء, وهداكم به إلى أكمل الشرائع.
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاّ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ إِلاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الاُمّيّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَىَ مَنْ أَوْفَىَ بِعَهْدِهِ وَاتّقَى فَإِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ
يخبر تعالى عن اليهود بأن منهم الخونة ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم, فإن منهم {من إن تأمنه بقنطار} أي من المال {يؤده إليك} أي وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليه {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائم} أي بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك, وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى أن لا يؤديه إليه. وقد تقدم الكلام على القنطار في أول السورة, وأما الدينار فمعروف. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني, حدثنا بقية عن زياد بن الهيثم, حدثنا مالك بن دينار, قال: إنما سمي الدينار لأنه دين ونار وقيل: معناه من أخذه بحقه فهو دينه, ومن أخذه بغير حقه فله النار. ومناسب أن يذكر ههنا الحديث الذي علقه البخاري في غير موضع من صحيحه, ومن أحسنها سياقه في كتاب الكفالة حيث قال: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة, عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل, سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار, فقال ائتني بالشهداء أشهدهم, فقال: كفى بالله شهيداً. قال: ائتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلاً. قال: صدقت, فدفعها إليه إلى أجل مسمى, فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركباً يركبها ليقدم عليه في الأجل الذي أجله, فلم يجد مركباً, فأخذ خشبة فنقرها, فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها, ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني استسلفت فلاناً ألف دينار فسألني شهيداً, فقلت: كفى بالله شهيداً, وسألني كفيلاً, فقلت: كفى بالله كفيلاً فرضي بذلك, وأني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر, وإني استودعتكها, فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه, ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده, فخرج الرجل الذي كان أسلفه لينظر لعل مركباً يجيئه بماله, فإذا بالخشبة التي فيها المال, فأخذها لأهله حطباً, فلما كسرها وجد المال والصحيفة, ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه, فأتاه بألف دينار, وقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لاَتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه, قال: هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ قال: ألم أخبرك أني لم أجد مركباً قبل هذا, قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة, فانصرف بألف دينار راشداً, هكذا رواه البخاري في موضع معلقاً بصيغة الجزم, وأسنده في بعض المواضع من الصحيح عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه. ورواه الإمام أحمد في مسنده هكذا مطولاً, عن يونس بن محمد المؤدب عن الليث به, ورواه البزار في مسنده عن الحسن بن مدرك عن يحيى بن حماد, عن أبي عوانة, عن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, بنحوه, ثم قال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد, كذا قال وهو خطأ لما تقدم. وقوله {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} أي إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين وهم العرب, فإن الله قد أحلها لنا, قال الله تعالى: {ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} أي وقد اختلقوا هذه المقالة, وائتفكوا بهذه الضلالة, فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بهت. قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني, عن صعصعة بن يزيد, أن رجلاً سأل ابن عباس, فقال: إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة, قال ابن عباس: فتقولون ماذا ؟ قال: نقول ليس علينا بذلك بأس, قال هذا كما قال أهل الكتاب: {ليس علينا في الأميين سبيل}, إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم, وكذا رواه الثوري عن أبي إسحاق بنحوه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا أبو الربيع الزهراني, حدثنا يعقوب, حدثنا جعفر عن سعيد بن جبير, قال: لما قال أهل الكتاب: {ليس علينا في الأميين سبيل} قال نبي الله صلى الله عليه وسلم «كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة, فإنها مؤداة إلى البر والفاجر» ثم قال تعالى: {بلى من أوفى بعهده واتقى} أي لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب الذي عاهدكم الله عليه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك, واتقى محارم الله, واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم {فإن الله يحب المتقين}.

** إِنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
يقول تعالى: إن الذين يعتاضون عما عاهدوا الله عليه من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته للناس وبيان أمره, وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الاَثمة بالأثمان القليلة الزهيدة, وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة {أولئك لا خلاق لهم في الاَخرة} أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منه{ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة} أي برحمة منه لهم, يعني لا يكلمهم الله كلام لطف بهم ولا ينظر إليهم بعين الرحمة {ولا يزكيهم} أي من الذنوب والأدناس, بل يأمر بهم إلى النار {ولهم عذاب أليم}. وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الاَية الكريمة, فلنذكر منها ما تيسر,
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا شعبة, قال علي بن مدرك: أخبرني, قال سمعت أبا زرعة عن خرشة بن الحر, عن أبي ذر, قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله, ولا ينظر إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم» قلت: يا رسول الله, من هم ؟ خسروا وخابوا. قال: وأعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات, قال «المسبل, والمنفق سلعته بالحلف والكاذب, والمنان», ورواه مسلم وأهل السنن من حديث شعبة به.
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا إسماعيل عن الجريري, عن أبي العلاء بن الشخير, عن أبي الأحمس, قال: لقيت أباذر فقلت له: بلغني عنك أنك تحدث حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: أما إنه لا يخالني أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, بعدما سمعته منه, فما الذي بلغك عني ؟ قلت: بلغني أنك تقول: ثلاثة يحبهم الله, وثلاثة يشنؤهم الله. قال: قلته وسمعته, قلت: فمن هؤلاء الذين يحبهم الله ؟ قال: «الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه, والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون, فيتنحى أحدهم يصلي حتى يوقظهم لرحيلهم, والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن» قلت: من هؤلاء الذين يشنؤهم الله ؟ قال: «التاجر الحلاف ـ أو قال: البائع الحلاف ـ, والفقير المختال, والبخيل المنان» غريب من هذا الوجه. (الحديث الثاني) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد, عن جربر بن حازم, حدثنا عدي بن عدي, أخبرني رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة, عن أبيه عدي هو ابن عميرة الكندي, قال: خاصم رجل من كندة, يقال له امرؤ القيس بن عابس, رجلاً من حضر موت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض, فقضى على الحضرمي بالبينة, فلم يكن له بينة فقضى على امرىء القيس باليمين, فقال الحضرمي: إن أمكنته من اليمين يا رسول الله ؟ ذهبت ورب الكعبة أرضي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان» قال رجاء: وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليل} فقال امرؤ القيس: ماذا لمن تركها يا رسول الله ؟ فقال «الجنة». قال: فاشهد أني قد تركتها له كلها, ورواه النسائي من حديث عدي بن عدي به,
(الحديث الثالث) قال أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش, عن شقيق, عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين هو فيها فاجر, ليقتطع بها مالَ امرى مسلم, لقى الله عز وجل وهو عليه غضبان». فقال الأشعث: في والله كان ذلك¹ كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني, فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألك بينة ؟ قلت: لا. فقال لليهودي: احلف. فقلت: يا رسول الله, إذاً يحلف فيذهب مالي. فأنزل الله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليل} الاَية أخرجاه من حديث الأعمش.
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم بن أبي النجود, عن شقيق بن سلمة, حدثنا عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من اقتطع مال امرىء مسلم بغير حق, لقي الله وهو عليه غضبان» قال: فجاء الأشعث بن قيس, فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فحدثناه, فقال: فيّ كان هذا الحديث, خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر كانت لي في يده فجحدني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بينتك أنها بئرك وإلا فيمينه» قال: قلت: يا رسول الله, ما لي بينة, وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري, إن خصمي امرؤ فاجر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من اقتطع مال امرىء مسلم بغير حق, لقي الله وهو عليه غضبان» قال: وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليل} الاَية.
(الحديث الرابع) قال أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, قال: حدثنا رِشْدين عن زَبّان, عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «إن لله تعالى عباداً لا يكلمهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ولا ينظر إليهم» قيل: ومن أولئك يا رسول الله ؟ قال «متبري من والديه راغب عنهما, ومتبرىء من ولده, ورجل أنعم عليه قوم, فكفر نعمتهم وتبرأ منهم».
(الحديث الخامس) قال ابن أبي حاتم: حدثناالحسن بن عرفة, حدثنا هشيم, أنبأنا العوام يعني ابن حوشب, عن إبراهيم بن عبد الرحمن يعني السكسكي, عن عبد الله ابن أبي أوفى, أن رجلاً أقام سلعة له في السوق, فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط, ليوقع فيها رجلاً من المسلمين, فنزلت هذه الاَية: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليل} الاَية, ورواه البخاري من غير وجه عن العوام.
(الحديث السادس) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده, ورجل حلف على سلعة بعد العصر, يعني كاذباً, ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يف له» ورواه أبو داود والترمذي من حديث وكيع, وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.